Scan barcode
A review by scloud71
سلطة الثقافة الغالبة by إبراهيم عمر السكران
5.0
".. ومَن دَرس هذه الأسئلة والنماذج دَبّ َإليه اليقين بأن القُطب الذي تدور كُرة الفكر اليوم حوله هو؛ سلطة الثقافة الغالبة!"
ااهه مِن هذا الكتاب! أتساءلُ لِم أخّرت ُقراءته إلى اليوم؟
ببساطة، كُتب د. ابراهيم السكران دائمًا تنال إعجابي بسبب مركزية القرآن لديه واعتباره له أصلًا للمادة العلمية لا عَضُدا فقط..
حتى في هذا الموضوع الشّائك المعاصر "سلطة الثقافة الغالبة" قد نَجح في اختيار المواضيع بنجاح وإيراد الإستشهادات القرآنية بـدقة ِلامتناهية!
تقسيم الكتاب جاء كالتالي:
1- مداخل نظرية: تَطرّقَ فيها إلى مفهوم الإستبداد ونوعيه (السياسي والثّقافي)، كما أبرَزَ جوانب الخضوع للثقافة الغالبة فيهما وكيفية تطويع النص الشرعي وتأويله ليتناسب مع أهواء المستبدين من كلا النّوعين. مُقترِحًا للحلول التي يُرجى أن تكون ناجعةً لهم. ثم انتقل إلى تقرير مسألة الخضوع لسلطة الثقافة الغالبة ومصائر ذلك.
2- الفصل الأول "استقبال النص": هُُنا يوردُ بعض تقنيات المتأثرين بسلطة الغالِب في تلقي النصوص الشرعية مُتلخّصة في عزله عن التجربة البشرية (البعد عن فهم السّلف) ثم توظيفهم الخاطئ لمفهوم الوسطية وَتقسيم القرآن لها إلى وسطية مذمومة وأخرى محمودة، تَليها استعمالهم لتقنية تجزيء الوحي بأخذ البعض منه ورد البعض الآخر، ثم قطعنة الشريعة وتتبعهم للرخص وتحكيم الإختلاف الفقهي ثم حاكمية الذوق الغربي انتهاءًً بموقفهم من الشعائر وخصوصًا صلاة الكسوف والمقصد منها.
3- الفصل الثاني "العلوم المعيارية": وفيه احتجَّ المؤلِف ونافَح عن جَناب علوم شريعتنا الغَرّاء ضد المتأثرين بالذوق الغربي في توظيفهم الخاطئ لها وتشكيكهم فيها خِدمةً لتأويلاتهم الزائفة المتناسقة وما يريد الغالب. فاستهلّ بعلم أصول الفقه وعلم الحديث كونهما بوابتا حماية الشريعة؛ بحيث أن الأول مُختَص بضبط دلالة النصوص وكيفية فهمها، والثاني مسؤول عن درجة ثبوت هذه النصوص والعِلل التي قد تعتريها ما ينعكس على درجة الأخذ بها.
فأوردَ أهم استشكالاتهم حول هذين العلِمين وأعلامِهم كالشافعي الأصولي وأبي هريرة الراوي رضي الله عنهم أجمعين، بتنظير ٍعلمي مُقنِع دالٍّ على رسوخ قدم المؤلف في العِلم الشرعي.
ثم انتقل بعدها إلى نقد دعوى التجديد في الشريعة بحيث يُغيّر مضمونها ليتناسب مع مقتضيات القرن الواحد والعشرين الذي نُعايشه، لكنه أيَّدَ التجديد الفني في علومها كتبويب مسائل الفقه وأصوله والإجتهاد في تقريب هذه العلوم بطريقة فنية مبسطة دون تغيير في مضمونها الذي استنبطه أئمة السلف من الوحي. وفي هذا يقول "الإستحداث في العلوم المدنية مؤشر إبداع مطلوب، والإستحداث في العلوم الشرعية مؤشر تراجع وانحطاط!"
أما عن استراتيجية اللابديل التي ينتهجونها بحيث يُحدثون الإرتياب في بديهيات العامة ويرُدّون النصوص دون إقتراح بديل لها، وما أبعَدَهم عن ذلك والله! كيف باستطاعتهم إعطاء بديل عن المنهج الرباني الذي ارتضاه لِخَلقه لحكمته الواسعة جل وعلا؟ ولتقرير هذه المُسلَّمة يقول السّكران "الحقيقة أننا نلاحظ تاريخيا أن كل من صارع الخطاب الشرعي السني فشل"
4- الفصل الثالث "نظام العلاقات": أرى أن هذا من أكثر الفصول التي نحتاج إلى إمعان النظر فيها ومدارستها بين فترة وأخرى؛ إذ مع التفتح الحضاري الذي نعايشه الذي عززته مواقع التواصل أصبحنا في احتكاك دائم مع الكفار والطوائف المخالفة! وننسى أحيانًا أنهم كذلك.. وننسى الطريقة التي سَنَها الشارع في التعامل الصحيح معهم بعيدا عن المُيوعة والذوبان في ثقافتهم واعتقاداتهم الشركية الكُفرية. فَحاول المؤلف إعادة تقرير أهم المفاهيم في التعامل مع المخالف بصفة عامة (سواء من المسلمين أو غيرهم خاصة)
فبدأ بتقرير منهج السّلف في التعامل مع المخالفين والإجابة عن أهم الاستشكالات التي قد تُطرَح في مواضيع كإنكار المنكر وهفوة العالِم وغيرها.. ثم انتقل إلى مفهوم الطائفية وقَرَّر أنه مفهوم مطلق متشعِّب ذو دلالات متعددة "فإن كان المقصود منع ظلم الطائفة المنحرفة فهذا حق ،وإن كان المقصود منع بيان ضلال الطائفة المنحرفة فهذا باطل!"
أعقَبَ ذلك بمسألة الولاء والبراء التي هي مِن صميم اعتقادنا كمسلمين، تحدث َعن تصوُّر الليبرالية عنها على أُسس مادية بحتة؛ فيقول 'أن عداوة المؤمن تبع لعداوة الله" ويرُد على من حصَر العداوة للمحاربين فقط دون المسالمين منهم بأن قال "كل كافر فهو قطعًا عدو لله مبغوض له مهما كان مُسالماً عسكريًا" وأكَّد على مفهوم الموالاة العام واشتماله على النُصرة والحب بقاعدة "النهي عن العام يشمل جميع أفراده"
ومنه ينتقل إلى قضية لبرلة الخلاف وشخصنته؛ ولْنَدَع الجاحظ يُفسّر المقصود من ذلك عندما يقول "يصول ُأحدهم على من شتمه، ويسالم من شتم ربه!" وكذلك النّزعة الوطنية عندما تُقدَّم على الدين؛ فيصبح "مفهموم المواطنة مأخوذًا بنفس المحددات النظرية الدولية الحديثة في الفكر السياسي الغربي الغالب" ومنه أضحى التمييز على أساس الأرض والوطن حضارة وتقدُما والتمييز على أساس لا إله إلا الله تخلفا وانحطاطًا.
وأشار إلى مسالة الأعياد الكفرية وموقف المسلمين منها، ثم جهاد الطلب في مواجهة جهاد الدفع ودعوتهم إلى هذا الأخير دون الأول؛ ليختم كتابه الشّيَق هذا بكلمة عن الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم والدّفاع عن جنابه ضد من يسُبه وإيراده لبعض الاثار عن قاض ٍمالكي حكم بقتل سابٍّ للرسول في عصره.
كل هذا.. ولا أعتقد أنني قد أحطت ُبالكتاب من كل زواياه ،فهو كتاب دسِم تطرَّق إلى مواضيع نعايشها ونغُضّ ُالطرف عنها متعمِّدين
ومع أنه لم يستوعب كل القضايا التي فيها نوع من التأثر بالغالب واقتصاره على إيراد أمثلة لها فقط -مع أنه لا يمكن الإحاطة تقريبا بجميعها-
إلا أن د. السكران قد وضعَ اصبعه على الجُرح وشفى غليل النّفوس في محاولة لإعادة اعتزاز الشباب المسلم بدينه وهويته الإسلامية بعيدًا عن الإنصياع للثقافة الغالبة.
هذا والله أعلم.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد
- تمّت صبيحة يوم ١٩/٦٠/١٤٤٣هـ
ااهه مِن هذا الكتاب! أتساءلُ لِم أخّرت ُقراءته إلى اليوم؟
ببساطة، كُتب د. ابراهيم السكران دائمًا تنال إعجابي بسبب مركزية القرآن لديه واعتباره له أصلًا للمادة العلمية لا عَضُدا فقط..
حتى في هذا الموضوع الشّائك المعاصر "سلطة الثقافة الغالبة" قد نَجح في اختيار المواضيع بنجاح وإيراد الإستشهادات القرآنية بـدقة ِلامتناهية!
تقسيم الكتاب جاء كالتالي:
1- مداخل نظرية: تَطرّقَ فيها إلى مفهوم الإستبداد ونوعيه (السياسي والثّقافي)، كما أبرَزَ جوانب الخضوع للثقافة الغالبة فيهما وكيفية تطويع النص الشرعي وتأويله ليتناسب مع أهواء المستبدين من كلا النّوعين. مُقترِحًا للحلول التي يُرجى أن تكون ناجعةً لهم. ثم انتقل إلى تقرير مسألة الخضوع لسلطة الثقافة الغالبة ومصائر ذلك.
2- الفصل الأول "استقبال النص": هُُنا يوردُ بعض تقنيات المتأثرين بسلطة الغالِب في تلقي النصوص الشرعية مُتلخّصة في عزله عن التجربة البشرية (البعد عن فهم السّلف) ثم توظيفهم الخاطئ لمفهوم الوسطية وَتقسيم القرآن لها إلى وسطية مذمومة وأخرى محمودة، تَليها استعمالهم لتقنية تجزيء الوحي بأخذ البعض منه ورد البعض الآخر، ثم قطعنة الشريعة وتتبعهم للرخص وتحكيم الإختلاف الفقهي ثم حاكمية الذوق الغربي انتهاءًً بموقفهم من الشعائر وخصوصًا صلاة الكسوف والمقصد منها.
3- الفصل الثاني "العلوم المعيارية": وفيه احتجَّ المؤلِف ونافَح عن جَناب علوم شريعتنا الغَرّاء ضد المتأثرين بالذوق الغربي في توظيفهم الخاطئ لها وتشكيكهم فيها خِدمةً لتأويلاتهم الزائفة المتناسقة وما يريد الغالب. فاستهلّ بعلم أصول الفقه وعلم الحديث كونهما بوابتا حماية الشريعة؛ بحيث أن الأول مُختَص بضبط دلالة النصوص وكيفية فهمها، والثاني مسؤول عن درجة ثبوت هذه النصوص والعِلل التي قد تعتريها ما ينعكس على درجة الأخذ بها.
فأوردَ أهم استشكالاتهم حول هذين العلِمين وأعلامِهم كالشافعي الأصولي وأبي هريرة الراوي رضي الله عنهم أجمعين، بتنظير ٍعلمي مُقنِع دالٍّ على رسوخ قدم المؤلف في العِلم الشرعي.
ثم انتقل بعدها إلى نقد دعوى التجديد في الشريعة بحيث يُغيّر مضمونها ليتناسب مع مقتضيات القرن الواحد والعشرين الذي نُعايشه، لكنه أيَّدَ التجديد الفني في علومها كتبويب مسائل الفقه وأصوله والإجتهاد في تقريب هذه العلوم بطريقة فنية مبسطة دون تغيير في مضمونها الذي استنبطه أئمة السلف من الوحي. وفي هذا يقول "الإستحداث في العلوم المدنية مؤشر إبداع مطلوب، والإستحداث في العلوم الشرعية مؤشر تراجع وانحطاط!"
أما عن استراتيجية اللابديل التي ينتهجونها بحيث يُحدثون الإرتياب في بديهيات العامة ويرُدّون النصوص دون إقتراح بديل لها، وما أبعَدَهم عن ذلك والله! كيف باستطاعتهم إعطاء بديل عن المنهج الرباني الذي ارتضاه لِخَلقه لحكمته الواسعة جل وعلا؟ ولتقرير هذه المُسلَّمة يقول السّكران "الحقيقة أننا نلاحظ تاريخيا أن كل من صارع الخطاب الشرعي السني فشل"
4- الفصل الثالث "نظام العلاقات": أرى أن هذا من أكثر الفصول التي نحتاج إلى إمعان النظر فيها ومدارستها بين فترة وأخرى؛ إذ مع التفتح الحضاري الذي نعايشه الذي عززته مواقع التواصل أصبحنا في احتكاك دائم مع الكفار والطوائف المخالفة! وننسى أحيانًا أنهم كذلك.. وننسى الطريقة التي سَنَها الشارع في التعامل الصحيح معهم بعيدا عن المُيوعة والذوبان في ثقافتهم واعتقاداتهم الشركية الكُفرية. فَحاول المؤلف إعادة تقرير أهم المفاهيم في التعامل مع المخالف بصفة عامة (سواء من المسلمين أو غيرهم خاصة)
فبدأ بتقرير منهج السّلف في التعامل مع المخالفين والإجابة عن أهم الاستشكالات التي قد تُطرَح في مواضيع كإنكار المنكر وهفوة العالِم وغيرها.. ثم انتقل إلى مفهوم الطائفية وقَرَّر أنه مفهوم مطلق متشعِّب ذو دلالات متعددة "فإن كان المقصود منع ظلم الطائفة المنحرفة فهذا حق ،وإن كان المقصود منع بيان ضلال الطائفة المنحرفة فهذا باطل!"
أعقَبَ ذلك بمسألة الولاء والبراء التي هي مِن صميم اعتقادنا كمسلمين، تحدث َعن تصوُّر الليبرالية عنها على أُسس مادية بحتة؛ فيقول 'أن عداوة المؤمن تبع لعداوة الله" ويرُد على من حصَر العداوة للمحاربين فقط دون المسالمين منهم بأن قال "كل كافر فهو قطعًا عدو لله مبغوض له مهما كان مُسالماً عسكريًا" وأكَّد على مفهوم الموالاة العام واشتماله على النُصرة والحب بقاعدة "النهي عن العام يشمل جميع أفراده"
ومنه ينتقل إلى قضية لبرلة الخلاف وشخصنته؛ ولْنَدَع الجاحظ يُفسّر المقصود من ذلك عندما يقول "يصول ُأحدهم على من شتمه، ويسالم من شتم ربه!" وكذلك النّزعة الوطنية عندما تُقدَّم على الدين؛ فيصبح "مفهموم المواطنة مأخوذًا بنفس المحددات النظرية الدولية الحديثة في الفكر السياسي الغربي الغالب" ومنه أضحى التمييز على أساس الأرض والوطن حضارة وتقدُما والتمييز على أساس لا إله إلا الله تخلفا وانحطاطًا.
وأشار إلى مسالة الأعياد الكفرية وموقف المسلمين منها، ثم جهاد الطلب في مواجهة جهاد الدفع ودعوتهم إلى هذا الأخير دون الأول؛ ليختم كتابه الشّيَق هذا بكلمة عن الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم والدّفاع عن جنابه ضد من يسُبه وإيراده لبعض الاثار عن قاض ٍمالكي حكم بقتل سابٍّ للرسول في عصره.
كل هذا.. ولا أعتقد أنني قد أحطت ُبالكتاب من كل زواياه ،فهو كتاب دسِم تطرَّق إلى مواضيع نعايشها ونغُضّ ُالطرف عنها متعمِّدين
ومع أنه لم يستوعب كل القضايا التي فيها نوع من التأثر بالغالب واقتصاره على إيراد أمثلة لها فقط -مع أنه لا يمكن الإحاطة تقريبا بجميعها-
إلا أن د. السكران قد وضعَ اصبعه على الجُرح وشفى غليل النّفوس في محاولة لإعادة اعتزاز الشباب المسلم بدينه وهويته الإسلامية بعيدًا عن الإنصياع للثقافة الغالبة.
هذا والله أعلم.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد
- تمّت صبيحة يوم ١٩/٦٠/١٤٤٣هـ