You need to sign in or sign up before continuing.

A review by khuzyma
الأصول الوسيطة للدولة الحديثة by Joseph R. Strayer, محمد عيتاني

informative fast-paced

4.0

في مئة ورقة، يقوم شتراير بتبيين أصول الدولة الأوروبية الحديثة التي استلهمتها من العصور الوسيطة، ولمّا يُقال الدولة الأوربية الحديثة فهذا يعني كل دولة حديثة، فعلى الحقيقة أنّ النموذج الأوروبي هو النموذج الرائج والمهمين للدولة، "ولم يجرِ في أي مكانٍ في أوروبا تقليد نموذجٍ غير أوروبي"؛ صينياً كان أو رومانياً، بل إنّ "«الدول» غير الأوروبية اضطرت إمّا لاستنساخ النموذج الأوروبي في سبيل البقاء أو تحمُّل التجربة الكولونيالية التي أدخلت لتلك البلدان الكثير من عناصر النظام الأوروبي
إذاً، عند النظر في أصول الدولة الحديثة فنحن ننظر حصراً في أصول الدولة الأوروبية فكل ما سواها هو نسخةٌ عنها؛ إمّا طوعاً أو كَرهاً. 
وهذا يُبيِّن أهمية النظر في أصولها، وشتراير أحسنَ في عرض تاريخها وأصولها بشموليّة مكثّفة. 
بدأ شتراير في التنبيه على أمر مهم، وهو أنّ المفهوم الحديث للدولة لم يكن موجوداً قبل القرن الحادي عشر، وإن كانت هناك دول كالامبراطورية الصينية أو الرومانية أو الحاضرة-الدولة كما يسمّيها في اليونان وإيطاليا بعد ذلك. لكن هذه النماذج ما قبل الدولة الحديثة كان لها معايير مختلفة كليّةً عن معايير الدولة الحديثة، بل إنّ الدولة الحديثة التي ظهرت بعد عام ١١٠٠ جمعَت نقاط قوة تلك الدولة القديمة. 
 
الدولة عند شتراير لها خمس شروط: 
- الاستمرارية في الزمان والمكان، فيجب أن يوجد حيّزٌ جغرافي تستطيع الجماعة داخله بناء نظامها السياسي ولذا فالبدو (الرُّحَّل) لا يُنشؤون دولاً. 
- إقامة مؤسسات سياسية غير شخصية ودائمة، ويعني بـ"غير شخصية" أنها لا تتأثّر بتغيّر الرؤساء، ولا تعتمد على الوجاهة في حل النزاعات؛ فهي مُلزِمَةٌ بذاتها. 
- الموافقة الإجماعية على ضرورة سلطة عليا؛ السيادة كما عرفت لاحقاً. 
- الولاء للدولة؛ فـ"مشاعر الولاء التي كانت في الماضي تُصرَفُ للأسرة والجماعة المحليّة أو الدينية انتقلت للدولة. ويجب أن تكتسب هذه سلطة معنوية تستطيع أن تسند بها بُنيتها المؤسساتية وتفوقها النظري الشرعي. وفي نهاية هذا التحوُّل يُعطي المواطنون الصدارة لمصالح الدولة، ويعتبرون صيانتها هو الخير الاجتماعي الأعلى/المطلق" 
فقبل الدولة الحديثة، لا نكاد نجد مؤسسة منتظمة ولا تعبير واقعي عن السيادة ولا ملكاً أو قائداً يقوم على نظامٍ قانوني/شرعي أو إداري وإنما وظيفته تسوية الأزمات. 
ثم يتتبَّع ظهور هذه الشروط/العلامات ما بين ١١٠٠-١٦٠٠، وفي هذا الوقت كانت النصرانية بدأت في الانتشار في أوروبا، وكان يوازي هذا الانتشار ظهور الكنيسة الكاثوليكية، وهي التي كانت تشكّل نظرتهم للعالَم والفلسفة السياسية، بمعنى أنّ البابا كان هو المرجع المطلق للناس، فما يقرره يصبح ديناً، وهذه المركزيّة للكنيسة مع نظامها الجِبائي وسياستها الإدارية هو ما ألهمَ الدولة الحديثة. 
إذاً الإمارات الأوروبيّة -ما بعد الوثنيّة- عرفَت التوحّد الديني قبل التوحّد السياسي. 
ومن العوامل المهمة في هذه الفترة، الاستقرار النسبي، وهذا أدّى لشرطٍ مهم في بناء الدولة: الديمومة في المكان والزمان. 
يبيّن شتراير علاقة الكنيسة بالسلطة الزمنيّة/الدنيوية، خاصةً ما سُمِّيَ بـ«المفهوم الغريغوري» للكنيسة الذي وضعه غريغور السابع الذي انتصرَت فيه الكنيسة في «نزاع التنصيبات» الذي وإن اعتبرَت الأمير «العَلمانيَّ» ضامناً ومقيماً للعدل، فإنّ العدل مرجعه للكنيسة في تعريفه ووضع حدوده. 
وبهذا بدأت القوانين والنظام القضائي يتطور تدريجياً، ثمّ انتشار المتعلّمين الذين أقاموا وقاموا على المناصب الإدارية. 
وقد عرضَ النظام الجِبائي بإسهابٍ لأهميته في إنشاء أجهزة الدولة وإسهام المدخولات في تقويتها. وكذلك النظام القضائي وأساليبه، وهما الأهم في نشوء الدولة الحديثة. 
يركّز شتراير على نموذجي انكلترا وفرنسا، ويقارن بينهما، ورغم أنّ الأولى «أعرق» سياسياً بسبب غزواتها ونموذج النبلاء البدائي في الإدارة، وكانت أسرع في تشييد دولتها، إلا أن هذا كان خاصاً بأصول انكلترا السياسية، أمّا فرنسا أنشأت دولتها من مقاطعات مستقلّة عملياً، وهذا الاستقلال كان موجوداً في أوروبا، لذلك "تقريباً جميع الدولة الأوروبية في نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث اتّبعت النموذج الفرنسي؛ فمُقلٌ ومُستكثرٌ" 
 
في القسم الأخير يذكر شتراير ما حصلَ من أوروبا من حروب وأوبئة أدت لركود، ثمّ بعد السلام والاستقرار كيف انتعشَ الاقتصاد وعادت للأجهزة البيروقراطية كفاءتها. 
 
نهايةً: 
يحسُنُ بالقارئ أن يكون مطّلعاً على اليسير من تاريخ أوروبا، أو الخطّ الزمني فقط لتحوّلها من إقطاعيات وقبائل وثنيّة ثمّ دخول الكنيسة وظهور الإدارة الدنيوية حتى نشوء الدول الحديثة، لاستحضار هذه التقاطعات أثناء القراءة، فهو يُعين على فهم بعض الصور التي يقرر بناءً عليها بعض التقريرات في نشوء الدولة وتمايز السلطتين الدينية والزمنية الدنيوية.

وأزعم أنّ الكتاب يُغني عن غيره في تبيين أصول الدولة الحديثة.